الزراعة في ظل التغيرات المناخية في سوريا

0

يتميّز القطاع الزراعي في سوريا بتنوّعه الكبير، حيث تُزرع مختلف المحاصيل على مدار العام، بما في ذلك القمح، والشعير، والقطن، والعدس، والخضروات، والبقوليات. وبهذا يلعب القطاع الزراعي دورًا كبيرًا في تعزيز الاقتصاد الوطني، إذ يُعدّ من بين القطاعات الرئيسة، ومصدرًا للعيش لأكثر من 30% من السكان. كما يُعتبر المصدر الرئيس لغذاء السكان، ويوفّر فرص عمل، ويسهم في دعم الاقتصاد، فضلاً عن دوره الهام في الحفاظ على التوازن البيئي وتحقيق التنمية المستدامة.

 

لكن هذا العام، كان الواقع مختلفًا؛ فقد توقّعت هيئة الزراعة في الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا إنتاج 350 ألف طن فقط من القمح، مقارنة بمليون و150 ألف طن في عام 2023. هذا الانخفاض الحاد لم يكن مفاجئًا، إذ يُعد هذا الموسم من أسوأ المواسم الزراعية في تاريخ المنطقة، حيث تسبّب بضعف كبير في الإنتاج وخروج مساحات واسعة من الزراعة البعلية عن الخدمة، تُقدّر بـ 75% من مجمل مساحة محصول القمح، حسب البيانات الرسمية.

 

لقد تأثّر الموسم الزراعي الحالي بشكل مباشر بالتغيرات المناخية، ومنها: تغيّر نمط تواتر الأمطار، وارتفاع درجات الحرارة، وتكرار موجات الجفاف، إضافة إلى الظواهر المناخية المتطرفة مثل العواصف والأعاصير. وقد أدّت هذه التغيّرات إلى تراجع إنتاجية المحاصيل، وتدهور التربة، وانتشار الآفات والأمراض، ما نتج عنه تراجع في الإنتاج الزراعي وارتفاع في التكاليف، وهو ما يهدد الأمن الغذائي. وتشير تقديرات منظمة الفاو إلى أن العجز الغذائي في سوريا هذا العام في مادة القمح فقط يُقدّر بـ 2.7 مليون طن.

 

ويُعد الأمن الغذائي من أبرز التحديات التي تواجه منطقة الشرق الأوسط، وسوريا بشكل خاص، لا سيما في ظل تغيّر المناخ، وندرة المياه، والتراجع في قطاع الزراعة، ما دفع المواطنين والتجّار إلى استيراد المواد الغذائية من الخارج، وهو ما انعكس بشكل مباشر على ارتفاع الأسعار بشكل كبير.

 

كما تُعد التغيرات المناخية من التحديات الكبرى التي تواجه الإنتاج الزراعي محليًا وعالميًا، وهو ما يتطلّب اعتماد استراتيجيات فعّالة للتكيّف مع هذه الظروف. ويمكن للمزارعين والحكومات والإدارات أن يعزّزوا القدرة على التكيّف من خلال مجموعة من الأساليب والتقنيات، من أبرزها:

  1. تقنيات الزراعة المستدامة: مثل الزراعة العضوية، التي تعتمد على تقليل استخدام المبيدات والأسمدة الكيميائية، وإدارة التربة بشكل مستدام من خلال التسميد العضوي، والحراثة المحدودة، والزراعة بدون حرث. تسهم هذه الأساليب في تقليل التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية على التربة والموارد المائية.
  2. تحسين إدارة المياه: من خلال اعتماد أنظمة ري فعّالة مثل الري بالتنقيط، ما يتيح استخدام المياه بشكل اقتصادي ويُحسّن إنتاجية المحاصيل، خصوصًا في المناطق الجافة. كما يجب تطوير البنية التحتية اللازمة لتجميع وتخزين المياه، كونها أحد العناصر الأساسية للتكيّف مع التغيرات المناخية.
  3. تنويع المحاصيل: وذلك لتقوية مقاومة القطاع الزراعي للتقلّبات المناخية. ويشمل ذلك تطوير أنواع محاصيل مقاومة للجفاف والحرارة، وهو ما يتطلّب الاستثمار في البحوث الزراعية وتطوير سلالات جديدة قادرة على التحمّل في ظل الظروف الصعبة.
  4. الاستفادة من التحول الرقمي: من خلال استخدام أنظمة الاستشعار والذكاء الاصطناعي لمراقبة الظروف المناخية، واتخاذ قرارات زراعية دقيقة ومدروسة.
  5. التوعية والتدريب: من خلال تعليم المزارعين أساليب الزراعة الحديثة والممارسات المستدامة، لتعزيز قدرتهم على التكيّف مع التغيّرات المناخية.

 

وعليه، فإن مواجهة التغيرات المناخية تتطلب تعاونًا شاملًا بين جميع الأطراف المعنية، من مزارعين، وحكومات، وإدارات محلية، ومراكز بحثية، ومجتمع مدني، وذلك لضمان مستقبل زراعي مستدام يلبّي حاجات الأجيال الحالية والمستقبلية.

أكاديمية البيئة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.